ريمون أوجين

قرأت باقي القصة في مذكرات ريمون أوجين التي أهداني إياها بعد خمسة عشر عاما من الحادثة.

كان الرئيس يشفنني بنظرات غاضبة ونحن خارجون محبطين من مكتب العقيد، وما كاد يدير مقود السيارة حتى قال:

-       لا يمكن كسب ثقة الشعوب بالأساليب المهينة التي تتبعونها في الأجهزة السرية.. إنكم لا تتركون لنا في الخارجية من عمل نفعله.. أذهب في وفد وأنا الرئيس، ولكنك أنت الرئيس الفعلي، وأنا لا أستطيع الاعتراض عليك.. "نحن مفوّضون أن نبتّ في الأمر!" غدا سينتشر الخبر، وستجعل الأقلام المعادية لأميركا منا أضحوكة..

-       لا تخشى شيئا! غدا سأذهب إليه وأوهمه أننا فعلنا ما فعلناه تجربة لأخلاقه، وأن صداقته تهمنا، ونحن لا نريد أن نتعامل مع أناس لا نثق بهم، ونقع في أخطاء تورطنا وتفشل سياستنا.. إنهم عائلة صعبة، وأنا أعرف بضعة أفراد منهم كلهم متصفون بالعناد، ومعاملتهم يجب أن تكون في غاية الحذر..

دخلت في اليوم التالي على الرجل المسؤول عن الشؤون اللبنانية الذي أرسلته المخابرات عندنا حديثا ليحلّ مكان سلفه الذي فرّ إلى الإتحاد السوفييتي وقلت له:

-       مستر سلفر، يجب أن تجد طريقة لإبعاد العقيد أنورعباد عن رئاسة المكتب الثاني.. إنه ليس الرجل المناسب للمرحلة القادمة..

وحدثته ما كان من أمره.. سألني مسترسلفر:

-                   ما هي اقتراحاتك لإبعاده؟

-       أرى أن من المناسب له أن ينقل إلى الخارجية ويعمل سفيرا في بلد إشتراكي، فهو يتقن الفرنسية ويكره الإشتراكيين ويحب الوجاهة..

-                     ومن تقترح ليكون بديلا له؟

-                     أقترح المقدم غانم هجرس الذي يعمل حاليا في المكتب السياسي في دائرة الجوازات والهجرة.

-                     ولكن هذا الرجل فاسد تماما.. إنني قرأت ملفه..

-                     وماذا يهم؟ هل نحن نعينه أسقفا في الفاتيكان؟ نحتاج إلى مثل هؤلاء الناس للمرحلة المقبلة..

-                     ليس إلى درجة زراعة المخدّرات والإتجار بها.. إن له إلى ذلك ملفا وتاريخا مخزيا في دائرتنا..

-       من وجهة نظر عملية، إنه يقوم بدور إقتصادي هام، فهل تظن أن لبنان يستطيع الوقوف على قدميه دون زراعة وبيع المخدرات؟ يجب أن نعتاد التعامل برأيي مع الفساد ولا نتحرّج من هذا الأمر.. وهذا أقلّ كلفة بالنسبة لأميركا، فلا نضطر لرشوة الذين ينفذون سياستنا من الخزينة الأميركية، بل نمكنهم من ممارسة هواياتهم ونتغاضى عنهم، مادامت مصالحنا في أيديهم لا خطر عليها..

-       ليس كل المناصب ينفع فيها أمثال هؤلاء الناس. الظواهر ضرورية، بعض المصداقية في رأيي صالحة في تسيير الأمور بشكل حسن، ومع هذا فإننا سنستفيد من مثل هذا الرجل في مهمات أخرى، ولكن ليس في الصفوف الأولى التي تسلط عليها الأضواء.

حدثته عن شاب ماروني برتبة ملازم أعده لاستلام هذا المنصب. لا غبار علي سلوكه الشخصي¸ولكن قلبه يمتلئ حقدا على السنة والشيعة والدروز والفلسطينيين ، وحتى على الأرثوذكس..وهذا الرجل صالح تماما من حبث المظهر الخارجي، هو شاب أشقر ، طويل القامة ، قوي البنيان ، غير أنه صغير السن قليل التجارب فهو لا يتجاوز الثالثة والعشرين، وبالرغم من وضعه الإجتماعي السيئ يكره الشيوعيين.

-                   إبعثه إلي لأراه، مااسمه؟

-                     أنطون بطرس

-       سنجد له مكانا يكون فيه عيننا الساهرة في كل ما يجري في المكتب الثاني، واترك المقدم هجرس في مكانه، ولا يهمنا من يختار رئيسا للمكتب ما دام مكشوفا لأبصارنا

-       سأبعث به إليك فأكرمه، إنه شديد الولاء لنا، وهو رجلنا للمستقبل، ومن ناحيتي سأستمر في تزويده بالمعرفة المناسبة والخبرة . إنه بحاجة الآن لإتقان اللغة الإنجليزية، وسنرسله فيما بعد في دورة تدريبية في أميركا.الشاب منتم لتنظيم كتائبي ويعمل حاليا في دائرة الهجره.

-                   حسن جدا، ننقله بأقرب فرصة إلى مخابرات الجيش..

               

*  *  *