أم ابراهيم

 

قالت عمتي أم ابراهيم لعبد الرحمن حين زارها في صيدا..

-         لماذا انت مغلق على نفسك الأبواب؟ تحمل القضية الفلسطينية بالعرض، الكل يرتزق بكيل المصائب لهم وهم يستأهلون.. أول ما جاؤوا احترنا كيف نقدم المساعدات لهم؛ جعلناهم ينامون في أسرتنا ونمنا على الأرض، زوجناهم بناتنا، أجرناهم بيوتنا بأسعار رمزية والآن يستمتعون بها ونحن لا نجد سكناً لأبنائنا.. قلنا اخوتنا..

وأضاف أبو ابراهيم:

-         لا تخدع مثلنا بهم.. اعذرني ان قسوت عليك، نحن في صيدا نعرفهم أكثر منكم.. نزلنا الخندق معهم، وضعنا ايدينا بأيديهم لم يخطر على بالنا اننا بسببهم سيصيبنا كل هذا البلاء.. احترق نفسنا منهم.. بأيديهم البواريد ظنوا انفسهم حكام البلد. أسافل عملوا جندرمة علينا.. هذا عميل وهذا احتكاري وهذا رجعي وهذا شيوعي..

وتقول زوجته وهي تريد أن تنفض كل ما عندها لعبد الرحمن عسى يغير قناعاته..

-         راح يوم جاء يوم، صار أحدهم لا يعجبه غير الزواج من ملكة جمال.. ينزل زعماؤهم في أكبر فنادق اوروبا باسم القضية.. القضية جلبت لهم السمن والعسل.. لم أشاهد في حياتي بذخاً كبذخهم وأعراساً كأعراسهم، هل هؤلاء ثوار؟ أحدهم لا يعجبه ركوب سيارة المرسيدس عاماً بعد عام فيشتري غيرها.. مال الثورة يتبدد في بذخهم.. لا أكذب ان قلت انني حين ذهبت لزيارة أم علي ابن المجهاد س، اذا بها تقدم لي القهوة بصينية من الذهب الخالص.. لم اصدق قولها  ظننتها تمزح قالت ان ابنها اهداها اياها في عيد الأم.. تجلس وتفتخر "ابني زينة الشباب، ابني بطل، ابني تحبه النساء.." كنت يومها في زيارة ابنتي رشا في بيروت وزوجها تاجر سجاد كبير، وكنت ذهبت لأقابل ياسر عرفات من أجل ابني.. أنا فتحت بيتي لهم وصدري، قاموا يوسوسون في صدر ابني، ويودون به في داهية.. الأحوال السيئة في لبنان جعلته لا يكمل دراسته الجامعية "تعال اعمل معنا تحصل على سيارة في أول مهمة.. نخطف طائرة ونأخذ ركابها رهائن ولا نفرج عنهم الا حين تستجيب دولهم لمطالبنا وتفرج عن سجنائنا عندهم.. يجب أن نثير الزوابع في كل مكان حتى يستفيق العالم ويدرك الظلم الذي لحق بنا.." أصبح ابراهيم يردد قولهم "الغرب لا يفهم الا لغة القوة، ولهذا يجب أن نقلق أمنه" منطق غريب عجيب ولكن الشاب أخذ به.. مرة اكتشفت انه يخبئ مسدساً ويتدرب عليه.. جن جنوني، يريدون أن يضيعوا الولد بعمليات الارهاب.. طردتهم وألقيت المسدس في وجوههم، قلت لهم "مارسوا تهريجكم في غير بيتي، والا كان لي معكم شأن.. أقربائي ليسوا هينين وسيوقفوكم عند حدكم" وقلت في غضبي أشياء كثيرة أخرى "كفاكم ما تفعلون بالشبيبة الفلسطينية! ترسلوهم في العمليات الى اسرائيل وهم لم يبلغوا سن الرشد.. أطفال! ويقبض عليهم عند الحدود ويزجون في المعتقلات الاسرائيلية أو يقتلون.. هل اسرائيل رباً كي تعرف كل عملية تقومون بها وتجهضها الا أن يكون بينكم جواسيس لها؟" ولكن الولد سحر بهم وخرج عن طاعتي ولحق بهم.. لم أترك في بيروت منزل نائب أو وزير الا زرته، بل انني حين زرت ابنتي سعاد التي تعمل وزوجها في السعودية استطعت أن أقابل الملك وقلت له "عانينا بما فيه الكفاية من الفلسطينيين.. أخرجوهم من ديارنا وجدوا لهم حلاً" كان في داخلي ما ينهشني خوفاً على ابني ابراهيم، لا أعرف ماذا فعلت، استخدمت كل اسلحتي توسلت وبكيت، وكان من استنجدت بهم ينقمون على الفلسطينيين بسبب اساءاتهم الكثيرة، فأفلحت وأرجعوا الي الولد.. قالوا "ما كان العشم فيك، أفشلت لنا العملية، ودرت السلطات بها". قلت "أحسن!" قالوا "أهذا جزاؤنا لأننا نحمي البلدة؟" قلت "لا أحد يحمي البلد غير أهلها".

وقال أبو ابراهيم: - آذوا الكثيرين منا.. حتى الزعيم الناصري في صيدا "معروف سعد" لم ينج منهم.. قبض عليه الفلسطينيون ووضعوه مربوطاً في خيمة وقالوا للناس "تعالوا تفرجوا، شوفة الدب بفرنك.."

*   *   *