أين ساقي؟

 

أفاق وسيم من المخدر الذي أعطي له أثناء العملية، وبدأ يحس بألم لا يطاق يلسعه كالنار في ساقه.. لقد حدث شيء ما لم يزل غامضاً في ذهنه وأخذ يحث ذاكرته ليعرف ما جرى له.. لماذا هو في هذا المكان مع صبية يرتدون البياض ويتكلمون فيما بينهم لغة لا يفهمها.. ولماذا يحس بالألم في ساقه فوق الركبة ولا يحس به فيما دون ذلك.. أهو كابوس يشاهده؟

وزع الطعام على الصبية في الغرفة ولمن لم يعط هو شيئاً ليأكل.. رأى فوق السرير كيساً شفافاً يقطر منه في انبوب سائل قطرة فقطرة ينتهي بإبرة مثبتة في رسغه، وأحس بنفسه مربوطاً الى السرير لا يستطيع أن يتحرك. دخلت ممرضة وزرقته إبرة في ذراعه دون أن تتكلم، وجاءت ممرضة أخرى ورفعت عنه الغطاء وأخذت في فك ضماده فهتف باكياً بجزع وقد هاله ما رأى.

- أين ساقي الثانية؟

تحدثت معه الممرضة بلغتها فلج في الاستعبار نادت طبيباً دخل لتوه فقال له بالعربية:

-         هل تتألم

-         نعم بتألم كثير

-         ما اسمك يا صغير؟

-         وسيم، وين ساقي؟

-         سنعيدها اليك ان لم تبك كثيراً وكنت ولداً عاقلاً..

-         ما بقدر بعد اليوم العب الفوتبول.. رجعوا لي ساقي

-         عندنا طبيب شاطر سيرجعها لك..

-         ليش امتوها ليش، ليش، ليش؟

-         اهدأ يا وسيم سيأتي والدك ويتحدث معك، فقط اترك الممرضة لتكمل عملها وتضمدها لك وعندما يزول الألم تماماً ونفك القطب سنركب لك ساقً ثانية لا تختلف عن الأولى وستقدر أن تلعب الفوتبول وتجري وترقص أيضاً

-         بقدر البس فيها فردة حذائي التانية؟

-         طبعاً، طبعاً يا وسيم.

-         وعندما أكبر وتكبر قدمي وساقي اليمين، هل تكبر معها قدمي وساقي اليسار؟

-         انت ولد ذكي يا وسيم، لا أستطيع أن أكذب عليك، اننا في هذا المشفى سنفعل ما نستطيع لنجعل وضعك سهل عليك وما دامت صناعة السيقان الجاهزة متطورة فسنجعل الساق الثانية تتبع نمو جسدك فنبدلها لك كل عام.

ابتسم وسيم وعيناه الخضراوان تتألقان بالدمع، لقد فارقته ضحكته المجلجلة اللاهية.. لقد عرف قلبه الصغير التعاسة، عرف أن حركته لن تكون بعد مثل الأطفال الأصحاء الآخرين!

هذه كانت فحوى الرسالة التي وصلتني من عبد الرحمن من باريس يصف فيها حالة وسيم. أضاف اليها أنه ينوي أن يتقدم بطلب اللجوء الى فرنسا فاذا قبل فانه يفكر في إكمال دراسة القانون في الجامعة والتخصص في القانون الدولي.. والبقاء حيث يجب أن يبقى وسيم لعلاج عاهته جسمياً ونفسياً في بلد متطور.

*   *   *