سطور قليلة عني

yusra_alayoubi@albizri.com

شهربـان

مسلسل تلفزيوني

يسرى الأيوبي

فهرس أعمال يسرى

الصفحة الرئيسية


ملخّص القصة الحلقة الأولى الحلقة الثانية الحلقة الثالثة الحلقة الرابعة الحلقة الخامسة الحلقة السادسة
الحلقة السابعة الحلقة الثامنة الحلقة التاسعة الحلقة العاشرة الحلقة الحادية عشرة الحلقة الثانية عشرة الحلقة الثالثة عشرة
الحلقة الرابعة عشرة الحلقة الخامسة عشرة الحلقة السادسة عشرة الحلقة السابعة عشرة الحلقة الثامنة عشرة الحلقة التاسعة عشرة الحلقة العشرون
الحلقة الحادية و العشرون الحلقة الثانية و العشرون الحلقة الثالثة و العشرون الحلقة الرابعة و العشرون الحلقة الخامسة و العشرون الحلقة السادسة و العشرون الحلقة السابعة و العشرون
الحلقة الثامنة و العشرون الحلقة التاسعة و العشرون الحلقة الثلاثون الحلقة الواحدة و الثلاثون الحلقة الثانية و الثلاثون    

 


 ملخّص شهربان

مسلسل تلفزيوني ب 32 حلقة

في كل حلقة من 5-10 مشاهد

     شهربان ابنة مدير الكلية الحربية في الآستانة علي باشا ووالدتها الأميرة شمس الدنيا قريبة السلطان عبد المجيد الذي قام بكثير من الإصلاحات الداخلية ومنها تحديث الجيش بإرسال الضباط المتخرجين في الكلية إلى ألمانيا لاستكمال دراستهم. يدعو السفير الألماني في تركيا علي باشا مدير المدرسة الحربية ترافقه زوجته قريبة السلطان عبد المجيد وابنتها الوحيدة شهربان لحضور حفل تخرّج الضباط الأتراك في مسرح ويمر حيث كان يجري لهم عرض خاص لأوبرا فاوست تقوم به جرترود مغنية الأوبرا الشهيرة بدور مرغريت. يسأل السفير علي باشا عن الضباط إن كانوا من طبقة متميزة فيقول له أنهم من نخبة المجتمع فهم وحدهم من يدخلون الجيش بعد أن تخلصوا من الجيش الإنكشاري. ولما يقلق علي باشا من مثل هذا السؤال يجيبه لا شيء تصرفات شباب، يقيمون علاقات صداقة مع فتيات واعدين إياهن بالزواج ثم ينقضون وعودهم. وقد راجعت فتيات كثيرات أصبحن أمهات وزارة الخارجية بهذا الخصوص. وهنّ يتساءلن إن كان حقا ترفض تركيا للضباط من شبابها أن يتزوجن أجنبيات فيقول له علي باشا: أبدا! ليس في شرعنا ما يمنع الزواج بكتابية. أكتب لي أسماء هؤلاء الضباط فأتصرف بحيث أردع كل مسيء، سيتخذنهم زوجات حسب شريعتنا! ويضيف السفير عن أمر آخر يزعج دولته: وهو تهريب الذهب في قبعاتهم العسكرية، وأنه ممنوع عليهم تفتيشهم حفاظا على الصداقة فيما بين البلدين.

    شهربان وهي منهمكة في أحداث الأوبرا تستمع باهتمام إلى ما يقوله السفير. الأم ترى في المسرح بهجت ابن أختها الذي تصرّ على تزويجه من ابنتها، ويسوؤها أنها لا تلقي بالا إليه. بعد انتهاء الحفل تتعرف أسرة علي باشا إلى جرترود، فتقول لها شهربان بحماس: ما أسعدني بالتعرف عليك! لأول مرة أحضر عرضا كهذا، لقد خُيّل إليّ أن الجنة نفسها لا تُداس لو خلت من غناء جرترود! السفير يوضح لعلي باشا أن زوجها هو الملحق الثقافي في سفارة فرنسا، وجاء خصيصا مع ابنته منها لمشاهدة العرض.. شهربان تعرف هيلدا والملحق الثقافي سابقا حين كانا منذ عام في السفارة التركية ودعاهما والدها لزيارته. هيلدا تركض حين ترى أمها، تعانقها وتعانق شهربان، وتقول لها الأميرة شمس: لعلك تكونين واسطة للصلح بين أمك ووالدك. فتقول جرترود لا! طريقي غير طريقه. علي باشا يدعو الجميع إلى منزله في اسطنبول.

  أثناء الدعوة تتعرف شهربان إلي هيلدا أكثر، فهيلدا هوايتها رقص الباليه بينما شهربان ركوب الخيل.. يجدد علي باشا دعوته لجيرترود وابنتها لمدة شهر أو شهرين فتعتذر جرترود لارتباطها مع فرقتها لإقامة عروض في عواصم أوروبا، أما هيلدا فوالدها لا يأذن لها لارتباطها بدورة تعليمية صيفية في السفارة في باريس ثم يمتثل في أن تؤجل دورتها الصيفية الى الشتوية. وتبدي شهربان رغبتها بمثل هذه الدراسة فيقول والدها: ستحصلين عليها ياشهربان! ويقرر إدخالها في الكلية العسكرية لأنه لا يستطيع أن ينتظر حتى تفتح مدارس للبنات، وفي منزل شهربان تتعلم هيلدا ركوب الخيل وتُبدي اهتمامها بالمطبخ التركي فتساعدها الأميرة شمس على تلقينها العديد من الأكلات الشهية تسجلها في دفترها بمساعدة ترجمة شهربان. يجري الحديث بين علي باشا والسفير عن الضباط المتورطين. ويطلب علي باشا من السفير أن يأتيه بأسمائهم. وكان هذا بحضور جرترود التي كانت تستمع إليهما بفضول. تعلم شمس الدنيا برغبة زوجها بإلحاق ابنته بالكلية العسكرية فتقول له: لا يا علي! لا تعرضها للتجربة. خلقت الفتاة للمنزل وتربية الأولاد، إن شهربان لا تنمو كأنثى كما شاء الله لها أن تكون، كأنك تريد أن تجعل منها رجلا. أتراك تفعل ذلك لأنني لم أنجب إليك غلاما؟ زوّجها وستنجب إليك الأبناء بمشيئة الله! فيكون جواب علي أنه يريد أن يسلحها بالعلم والفضيلة وهي تواجه عالما قد تطور حولها، ولا يريد لها أن تتخلف عن مثيلاتها في الغرب اللواتي يدخلن المدارس والجامعات.. لن تكون بعد بضعة أعوام من الدراسة أقل نضارة وهي في العشرين. يأتيه السفير بأسماء الضباط المتورطين ويقرأ اسم بهجت في رأس القائمة! تدخل الأم غرفة شهربان وتحدثها بأن خالتها تريد أن تستشف رأيها ببهجت لأنه معجب فيها منذ رآها في ويمر، وأن كفاءته عالية ومستقبله باهر، وربما اختاره السلطان للعمل في مكتبه، أو أرسله واليا على البلقان. فتجيبها بأن شعورها نحوه أخويّ ولا تفكر فيه كزوج محتمل.

تصرّ على دراستها وترتدي في اليوم التالي البزّة العسكرية بعد أن تقص شعرها الطويل ولما تراها والدتها تنخرط في البكاء. تلحق بوالدها إلى الكلية وتتوجه رأسا إلى غرفته وتؤدي التحية العسكرية. يسرّ والدها برؤيتها ويقول: كم يناسبك اللباس العسكري، كأنك فتى وسيم! ولكن ماذا ستفعلين بشعرك؟ فتحسر عن رأسها ويبين له ما فعلته بشعرها. ويحتار بأي اسم سيسجلها، أيختار لها اسم ابن صديقه الذي قتل في معركة مع المصريين؟ ولكنه لايستسيغ التزوير المخل بشرفه العسكري، فيسجلها شهربان ابنة المدير، ويقول: ليجرأ أحد على معاكستك أو إساءة الأدب معك! ولما تدخل الصف مع والدها يهمس لمدرس التاريخ عن هويتها وهي تختار مكانا آخر الصفوف. يطرح سؤالا على الطلبة عن الأسباب التي أدت الى هزيمة تركيا في معركة قونية فلم يجبه أحد غير شهربان بقولها: كان الجيش في وضع عاجز، فقد الإيمان بنفسه بعد هزائم عدة. لم يعد له دور رائد في حماية دار الإسلام. كان همّ أفراده تهريب الذهب والثراء غير المشروع فحقت عليه الهزيمة!    

في قاعة السلطان يدخل الشيخ يوسف الأسير وهو الشخصية البارزة في المسلسل معتقلا بسبب مناداته باللامركزية. يطلب منه أحد الجنود أن يطأطئ رأسه ويقبّل يد السلطان فيرفض: ليس لي مولى إلا الله! يطلب السلطان فكّ وثاقه، فيقول أحدهم: أشكر مولانا أمير المؤمنين فيقول: المؤمنون لا يولون على أنفسهم إلا أميرا مؤمنا مثلهم فيصرف الجنود ويسأله عن اسمه فيجيبه: يوسف الحسيني

ـ ولكنك تُدعى يوسف الأسير

ـ لُقّب به والدي لأنه كان أسيرا في البلقان، أما اسم عائلتي الحسيني فلأنها تنتسب إلى الحسين كما يتبيّن من كتب التاريخ. يقول له السلطان: اعتبر نفسك ضيفي، لا أسيري.. يستدعي الجنود ويأمرهم أن تكون إقامته مريحة في قصر الضيافة. وحين يخرج الأسير يلتقي بعلي باشا الذي يستأذن بالدخول.

 السلطان: (لعلي باشا) كان عندي المتمرّد اللبناني الذي يحرّض على اللامركزية والحكم الذاتي الشيخ يوسف الأسير.. يتداولان في أمره.. ويقرّ رأي السلطان على أن يقربه ويكرمه حتى يفهم وجهة نظره: بأنه خير للعرب أن يتوحدوا تحت راية الإسلام، من أن يتمزّقوا برايات القوميات التي تجعلهم فريسة لمطامع الغرب الذي يناصر فئة مذهبية على أخرى. ويترك أمره إليه يستضيفه ويعرف ما يصلح له من عمل فيكون تحت الأنظار دون أن يشعر أنه مُعتقل أو أسير.

  يستضيفه علي باشا على الإفطار في أول شهر رمضان وكان قد عرض عليه رئاسة التصحيح في دائرة المعارف فرفض، لأنه لا يرغب في البقاء في الآستانة وأسرته في صيدا. وحين وصل استقبلته عائلة علي باشا بترحاب كبير وكان دهشا للمعاملة الكريمة التي استقبل فيها وقد ودّع أسرته في صيدا كمن لا يعود إليها أبدا. وتسأله الأميرة شمس عن أولاده فيقول لها أربعة ذكور وبنت أعمارهم بين الرابعة والعشرين وأصغرهم في السادسة وتسأله عن ابنته، اسمها وعمرها ـ فريدة وعمرها 16 عاما فتقول أنها بعمر شهربان (يذكر الشيخ أسرته في صيدا وهو يقدم له شهي الطعام) "لعلّهم لا يأكلون في هذه المناسبة إلا طبق العدس وعصير البرتقال.!"

(ننتقل إلى منزل الأسير في صيدا.. يدخل ابناه محمود ومحمد قادمَين من مصر. على مائدة الإفطار ألوان متعددة من الطعام.)

  تغضب منهما والدتهما حنيفة زوجة الأسير لأنهما حين سمعا باعتقال والدهما، تركا دراسة الطب في مصر التي سعى إليهما فيها فان ديك المستشرق الأميركي إكراما للأسير الذي صحح له بلغته المتميزة ترجمة التوراة والإنجيل إلى العربية. تقول حنيفة لولديها: إن صيدا كلها ترعانا.. شابان شجاعان شهمان مثلكما وضعتما دمكما على كفيكما لحماية حارات النصارى والدروز أثناء المذبحة الطائفية. لهذا يقدّرنا الناس ويرتفع صيتنا ويتناقلون أخبارنا. نحن نعيش بطيب   الذكر ولا يتركنا المحبون.. ولما يعترض الشابان على أنهما لا يقبلان إحسان الناس في معيشة عائلة الأسير، تقول: أتدبّر أمري بنفسي من الخضرة والفاكهة من البستان حولي وأبو درويش يرسل لي حاجتي من اللحم. ويغضب محمود فتخبره بأن الناس يردّون له بعض إحسانه إليهم. وتحدّث ولديها بأن والدهما لم يرض أن يؤجر على عمله بتصحيح لغة التوراة والإنجيل التي ترجمها فان ديك بلغة ركيكة، فطلبه قبل أن يغادر لبنان أن يأتي إليه، وأسلمه أوراقا موقّعا عليها إمضاؤه وإمضاء شهود على تمليكه المنزل الذي اشتراه في بيروت بكل أثاثه، وألحّ عليه بالقول فذهب والدكما إلى أبي درويش وهو موثوق بتقواه وملّكه البيت على أن يؤمّن حاجة اللحم للبيت ويوزّع من ثمنه على البيوت المستورة في صيدا.

      في صلاة الجمعة في الآستانة.. العساكر مشاة وفرسانا يأتون من أطراف الآستانة.. الإمام يخطب مؤكّدا على التسامح الديني والتشريعات الاقتصادية للباب العالي.. يلتقي يوسف الأسير بأحمد فارس الشدياق وهو خارج من الجامع مع المصلّين، كلاهما تعارفا مرة في منزل فان ديك. يتعانقان ويعرف الشدياق أن الأسير ينزل في دار الضيافة فيقول له مرّ بي غدا في دار الجوائب فبيننا أحاديث تطول.

  في دار الجوائب حدّثه الأسير عن معرفته بأخيه أسعد الذي كان يلتقي به عند فان ديك، وأنه غضب بشدّة كما غضب كل أهالي بيروت لما جرى له على يد بطريق الموارنة في دير قنوبين، أن يموت شاب في عنفوان شبابه وهو يُسام العذاب ألوانا لأنه يفضّل المذهب الإنجيلي على مذهب والديه!

  كانت بينهما صداقة متينة استمرّت حتى غادر الأسير وعائلته اسطنبول. والشدياق حدّثه بأن ما جرى لأخيه أسعد كان سببا هاما لاعتناقه الإسلام.. وكانت صداقتهما تتوثّق يوما بعد يوم، يتحدّثان عن فان ديك الذي كان منزله منتدى لكبار رجال النهضة وكلاهما يعرفان نفس الأشخاص لاشتغالهما بالصحافة. الشدياق في الجوائب والأسير في لسان الحال، وكانت روح الشدياق الساخرة المرحة وطريقته في الحديث مقلّدا لهجة بعثات القسس كمقدّمة للاستعمار الفرنسي والبريطاني تفجّر الضحك من قلب الأسير بالرغم مما يحيط حياته من متاعب.

    يجري سباق للخيل يدعو علي باشا الأسير لحضوره وكان قد نُقل إلى بيت مريح ليستقبل أسرته التي طلب حضورها إلى الآستانة. يشهدان معا السباق الذي اشتركت فيه شهربان وكانت تتنازع وفارس آخر السباق وتفوز أخيرا ، فيقول علي باشا: كنت واثقا أنها ستفوز فأنا من درّبها منذ طفولتها على ركوب الخيل. كان مدرّس الديانة حاضرا قرب الأسير وكان يضطهد شهربان ويعتبر وجودها في الكلّية يُفسد عقول الشباب وهذا مناف للإسلام، وقدّم شكوى بحقّها إلى السلطان عبد المجيد. وأخذ علي باشا يصغي إلى الحوار بينهما فالشيخ يحبّذ كل نشاط تقوم به المرأة إن كان لا يخلّ بجوهر الإسلام بينما مدرّس الديانة يرفض ذلك وكان نتيجة هذا السباق أن طُردت شهربان من الكلّية.

  يدعو القنصل الألماني العشرة الأوائل في السباق لحضور الحفل الذي سيُقام في صالة السفارة للضباط الذين أجبرهم علي باشا ليتزوجوا صديقاتهم الألمانيات.

  في الوقت نفسه كانت أسرة الشيخ تصل إلى الآستانة، في شارع الميناء يلحق بفريدة وأمها شبان عابثون يُسمعونهما كلاما غير لائق، ويرميها أحدهم بحجر.. تدخل مخفر شرطة الميناء وتستنجد بهم ممن يعاكسونها تقول للرئيس: هل في بلادكم تعاملون فتاة مسلمة هذه المعاملة السيئة؟ إن شارعكم غير أمين على النساء تتجول فيه بأمان دون أن تسمع ما يخدش أذنيها.. يجيبها رئيس المخفر: آسف يا آنسة ولكن السبب أنك تتنقبين.. لو رفعت النقاب عن وجهك لا يجرؤ أحد على أن يتعرّض لك.. ترفع فريدة النقاب عن وجهها فيُؤخذ رئيس المخفر بجمال عينيها السوداوين البراقتين تقول له: أنا ابنة الشيخ يوسف الأسير الذي ينزل ضيفا على مولانا.. طلب منا اللحاق به، فلم نجد من يستقبلنا. يستفسر رئيس المخفر عن الأسير في دار الضيافة فيُقال له أنه انتقل إلى منزله، ويسأل عنه في الجوائب فيجد أن هناك من سيأتي إليهم ليصطحبهم إلى منزل الشيخ. حنيفة تحسر عن وجهها وتذكر قصة تسردها على فريدة: بخصوص النقاب أذكر صديقة لي هي ابنة رشيد بك الذي ذهب إلى السودان وهناك تزوج سودانية فأنجبت له هذه البنت التي جاء بها وهي طفلة لتتربى بين أهله، ولم يتقدم أحد لخطبتها حين بلغت سن الشباب.. لها قامة مغرية ومشية كالغزال. لحق بها ذات يوم شاعر ومعه صديقاه ليتعرف إلى أي بيت تنتمي. نزعت كفّها لتفتح باب منزلها فشاهدوا يدها سوداء قال أحدهم لو عرفنا أنك سوداء لما أتعبنا أقدامنا في اللحاق بك. فأسفرت عن وجهها فإذا به رائع القسمات. فُتن الشاعر به، وأخذ "القمر الأسود" يلاحقه في صحوه ونومه وشعره حتى قرّ عزمه على الزواج بها. كان أسعد الرجال. الرجل يرى من جمال المرأة مالا تراه النساء. كل ما يأسر الرجل في المرأة كان متوفّرا فيها: الحيوية والمرح وإشراق الذهن ولهفة القلب.. أنجبت له أبناء هم زينة الشباب وسامة ونجابة.. أحدهم يعمل في البريد مع أخيك مصطفى وآخر أرسله جده رشيد بك إلى الآستانة فحلا له المقام هناك.

  وصلت العربة ونزل منها شاب خاطب أم محمود بعربية لبنانية اللهجة: أهلا، أهلا بخالتي أم محمود، وأهلا بالآنسة فريدة وحسن الصغير (يصحو من نومه.) أبدت حنيفة استغرابها فقال: ألم تعرفيني يا خالة؟ أنا خالد ابن جيرانكم في بيروت ـ والله لم أعرفك كنت ناحلا لم تشبّ بعد.. لقد أصبحت فارع الطول ممتلئ الجسم وتربي شاربين!

  كان خالد "ابن القمر الأسود" الذي بعثه جده للدراسة في الآستانة يعمل في دار الجوائب ويكتب فيها أشعاره.. وكان الأسير يحبه ويثق به وهو الذي كان يكلفه بانتظار موعد السفينة حين تصل. لقد تأخرت عن موعدها وجعلت الشيخ في منزله الجديد يناجي السماء بقلق أن تحرس أسرته عبر البحار التي لم تعد آمنة في تلك الأيام. يشاهد عربة تقف عند الباب، ويرى بعينيه الحادتين خالد ينزل من العربة حاملا حقيبة وراء أخرى ويهبط بعدها حسن فيركض إلى الباب ويفتحه قبل أن يبلّغه الحارس وصول أسرته.. ومنذ اللحظة الأولى التي وقعت عين خالد على فريدة نمت بينهما قصة حب رائعة تطورت في شعره الذي يكتبه في الجوائب وتتلقفه فريدة لتقرأه وهي عالمة  بأنه موجّه إليها يعبّر فيه عن مكنون حبّه للفتاة التي أسرته ويخشى افتضاح أمره أمام أب متعصّب.

  في صالة القنصلية التي تقيم الحفل الفخم لزوجات الضباط الألمانيات. كان هناك معرض أزياء ألمانية. النساء يرفلن بتنانير فضفاضة طويلة وكشاكش وقبّات عالية أو واسعة عند الصدر وألوان قوس قدح... حلقات وضحكات عالية. يدخل حاجب ويعلن عن قدوم ضيف الشرف علي باشا وابنته شهربان.. العيون تشرئب إليها بلباسها الشرقي الفاخر. ثوبها المخملي اللازوردي المطرّز عند الصدر والأكمام بخيوط الذهب وعلى رأسها تاج ذهبي مرصّع بالماس، وينحسر اليشمق عن قرطيها الطويلين الماسيين.

  تلتقي شهربان ببهجت وزوجته، وبشلّة الضباط التي كان بينهم مراد الفائز الثاني، وهو ابن عم بهجت وكان مغرما بها منذ رآها في الكلية العسكرية. علي باشا يلتقي بجرترود وكانت مفاجأة له قدومها للغناء في تلك المناسبة. تتطور علاقة غرامهما حين يطلب منها الزواج فترفض لأن الزواج يتعارض مع فنها. ويقبع حبهما في سريّة تامة سنين طوالا لا يدري به أحد.. وتتواعد شهربان مع مراد على انتظاره حتى يعود من ألمانيا.. بينما كان علي باشا يغازل جرترود:

علي باشا لجرترود: كم أنا مشوق إليك! إن لك عينين تفقداني صوابي وصوتا  يوقد نارا في قلبي. لا أرى أحدا إلا أنت. أحببت السماء التي تشبه زرقة عينيك، وتغريد الكناري الذي يذكّرني بصوتك. كم أحسد هؤلاء الضباط الذين فازوا بحبيباتهم وأتمنى لو يعود بي الزمن وأكون واحدا منهم!   

  السلطان يستجيب لشكوى مدرس الديانة التي أقامها على شهربان ويرسل وراء علي باشا، ويعدد له الأسباب التي تجعله يقرر إخراج شهربان من المدرسة الحربية ويقول له أن حماس شهربان للعلم يجعلني أسرع في افتتاح مدرسة للبنات.. كان امتحان شهربان على الأبواب ولقد صعقت لهذا الخبر فقرر علي باشا أن يجمع أساتذتها ليمتحنوها في القصر. تقول له: وإذا رفض مدرّس الديانة؟ ـ سآتي بالشيخ يوسف الأسير. عرض الأمر على الشيخ فقبل على شرط أن يكون معها أحد في الدرس. اختارت شهربان فريدة وكان هذا الأمر بدء صداقة وطيدة حية حتى آخر يوم من حياة فريدة.

  ذهبت فريدة إلى مدرسة البنات التي افتتحت حديثا فوجدوها قديرة في اللغتين العربية والتركية فعيّنوها معلّمة فيها. وكانت الطالبات في مثل سنّها ولكنها لم تلبث أن مرضت فأعطيت إجازة مدفوعة الراتب ولكن مرضها طال وعرف خالد بالأمر حين رغب الشيخ أن يستقيل بسبب مرض الكبد الذي عاد إليه بسبب جو استانبول ومرض ابنته التي لم تحتمل الجو القارص. وذهب خالد إلى منزلها وتسلّق شجرة تطلّ أغصانها على غرفتها فانكسر الغصن وهبط إلى الأرض واختفى من حارس المنزل فظن الوالد أن أحد الحاقدين عليه يريد اغتياله! ويوم سفر العائلة وعودتها إلى لبنان ذهب إلى فارس الشدياق ليتوسّط له أن يخطب ابنته لأنه لا يجرؤ على ذلك بنفسه وكانت ردود فعل الشيخ أنه لو خطبها ابن السلطان نفسه فهو لن يسمح لها أن ترتبط معه. وكانت شهربان حاضرة يوم الوداع وهي تعرف سر الحب الذي يجمع بين فريدة وخالد، فسعت أن يعيّنه والدها مدرّسا للغة العربية فكان ضغطها على الشيخ أن لا يحرم ابنته الفرصة التي أتيحت لها فكثيرا من الأمراض تنشأ عن حب مكتوم. وحين عرف أن المعني بالخطيب هو خالد الذي يعزّه كابن له تردد قائلا: أنه لا يسمح بمثل هذا الزواج لابنته وهي معلّقة بين الحياة والموت وأنه يظلمه لو علّق مصيره بها فكان جواب شهربان أن الحب يعزّز غريزة الحياة ويكون عاملا في الشفاء. ويضيف البشناق أنه لا يريد إلا أن تقرأ الفاتحة.. وعرض الأمر عليها فأصابها الإغماء. ووضع علي باشا صرّة من النقود بيد خالد قائلا: خذ إجازة شهر والحق بأسرة الشيخ إلى لبنان، وعد لتصمد مهرها، ولكن خالد لم يستطع إلا أن يقيم لها حفل خطوبة انتكست بعده صحتها.

     خلال هذا الشهر عقد عليها وهي في الفراش ليكون تردده عليها شرعيا وكانت آخر رسالة لها لشهربان تصف فيها يوم أُخذت إلى طبيب اختصاصي درس في الغرب ولديه معدّات متطورة كيف حملها خالد وصعد بها السلّم بذراعيه القويتين تقول فيها: رأسي على صدره، أسمع دقّات قلبه وأكنّ إليه كعصفور صغير.. عرفت سعادة لم أحظ بها طوال حياتي وتمنيت أن تطول لحظات سعادتي إلى الأبد وأموت بين يديه! كان في آخر أيامها ينام قربها على سرير، ويناجيها بعذب الكلام وجنّ رعبا وهو يراها تنفث دمها، وبقي ثلاثة أيام بعد موتها مذهولا لا يتناول طعاما ولا شرابا، ولم ينقذه من حاله إلا سماع صوت أمه تعزّيه بأن مصيبة الشيخ بفقد ابنته أكبر من مصيبته. حين أفاق أهل صيدا على اشتعال النار في مكتبته في صيدا وفيها كل مخطوطاته الشعرية وكتبه التي أنجزها. يقول لخالد: لا أصدق أن الأقدار اغتالت فرحي مدى الحياة في يوم واحد، ابنتي وثروتي الأدبية.. من اقترف الجريمة الشنعاء؟ من قتل شعاع روحي، مشعل الحق الذي حملته، برياح الغضب أطفأه؟ الشعر أرواح مجنّحة والكتاب هو المحرر، هو المناضل، ينير الطريق، ويدمّر القهر والطغيان. دائما كان مصير الإنسان من أولوياتي، حملت في العتمة شاهد العصر، الحرية للإنسان، وكان هناك أحمق موتورا لا يعتبر، ولا يريد للفجر أن ينتصر!

   تدخل حنيفة لتخبره أن وفدا من تلاميذه المخلصين قد حضروا لتعزيته!

  إن مناجاة الأسير لحورياته التي حبسها في المكتبة والأدراج واشتعلت في أثوابها النيران تمزّق نياط القلب حزنا لحاله، وهو يخسر في يوم واحد إبداعه الأدبي وابنته الغالية الأثيرة لديه التي تحفظ شعره عن ظهر قلب... ولكن المخلصين من أصدقائه وعدوه بلملمة الكثير مما كان يُطبع في لسان الحال. وعاد خالد إلى اسطنبول ليلملم له الكثير مما كتبه في صحيفة الجوائب.

  في تركيا تتطور علاقة شهربان بمراد عن طريق رسائل متبادلة بينه وبينها بواسطة صديق له يقوم بعلاج العائلة. ولما عاد تزوجته وأنجبت منه ثلاثة أبناء.    سُجن ذات يوم في سجن حلب في وضع كانت فيه المؤامرات قد استشرت بعد موت السلطان عبد المجيد، فذهبت مع أولادها إلى السجن لتكون قريبة وعلى يديها طفل رضيع وضعته في غياب أبيه. موقفها جعل السلطان يعيد محاكمته ويتبين له براءته. عادت شهربان إلى منزلها لتجد والدتها وقد أصيبت بجلطة تموت على أثرها. يفرج عن زوجها من السجن ليذهب آمرا للمدفعية في الحرب التي استشهد فيها. صراعها مع والدته التي تريد أن تربي أولاد ابنها.. علي باشا على وشك السفر في مهمّة قد تطول إلى لبنان.. يقنع أم مراد بأن الشريعة تعطيها الحق فقط لو كان والد مراد على قيد الحياة. ولهذا تربى أولاده في قصري وتحت رعايتي ولكني سأضع في حسابي مستقبل الأولاد ودراستهم وأرى أنه أنسب لهم أن يكونوا في رعايتك. وبالرغم أن أصغرهم سليمان في سن لا يزال له الحق في حضانة أمه إلا أنني لا أريد أن أفصل الإخوة عن بعضهم. وينقل إليها راتب مراد لترعى أولاده وتوفّر لهم التدريب على خيولهم. وهكذا انتقل خالد الذي كان يدرّسهم العربية إلى منزل أهل مراد حيث يتعرف على أخته الصغرى جلنار ويتزوجها. تلحق شهربان بوالدها إلى لبنان ومعها علي أصغر أبنائها. وهناك يكون علي باشا قد جدد علاقته بالشيخ يوسف الأسير ويشكره على رسالة التعزية التي أرسلها إليه عند وفاة زوجته بعد عشرة أعوام من معرفته به في تركيا فيقول له، إن خالد لا يزال يعمل في الجوائب ويعرّفني على أخباركم. يتمّ تعيين علي باشا برتبة مشير وهي أعلى رتبة عسكرية ليشرف على الشؤون اللبنانية، ويصبح نائبا للقائد العام للجيش التركي في سوريا وفلسطين (الفيلق الرابع) لشؤون الإمداد، ومركز عمله في بيروت، ومسكنه في ميناء الحصن. ويسأله الأسير عن ابنته شهربان فيخبره بزواجها الأمير مراد وإنجابها أربعة أبناء والصغير لا يزال يرضع، وأن زوجها استشهد في الحرب، فطلب منها أن تأتي إلى لبنان. وحدّثه أنها تركت أبناءها الثلاثة لرعاية جدّتهم أم مراد التي طالبت بهم بعد مقتل ابنها. بعد فترة من الزمن يُصاب علي باشا بالتهاب الزائدة وتنفجر قبل أن يستطيع الأسير أن يذهب به إلى مشفى الجامعة الأميركية وكان هذا مباشرة إثر هزيمة تركيا أمام روسيا التي احتلّت البلقان. خرج من العملية مغمى عليه وقد تسمم جسده وجلست قربه شهربان تحادثه:

" لا يا أبي! غير جدير بالبطل أن يموت موتا تافها!.. هذا يجعل العمر أكثر حماقة وسخفا.. أنت الذي قدت المعارك..... أفق يا أبي واسخر من النوم الأبدي الذي تستسلم له وعلى شفتيك ابتسامة.. لم تشبع الحياة منك.. لم يشبع منك أحفادك وابنتك الوحيدة.. لا يزال قلبك ينبض بالحياة، لا يزال!" وكان الأسير منتحيا يبكي ويتمتم: كم كنت أتمنى لو عاشت فريدة وأنا كنت البديل لها ورثتني كما ترثي شهربان والدها.. وظهر في صحيفة لسان الحال التاريخ النضالي لعلي باشا منذ كان في السابعة عشر حتى مماته وهو في الواحد والستين.

   تنتقل هيلدا مع والدها الملحق الثقافي إلى لبنان وتحدثه عن جنازة والدتها جرترود التي توفيت قبل أسبوع: لن تصدق يا والدي أية جماهير خرجت في جنازتها لوداعها. حمل نعشها شباب الأوبرا في ويمر وتقدمت الجنازة الفرقة الموسيقية تعزف اللحن الجنائزي. وخرج خلفها الوزراء والأدباء والفنانون والموسيقيون إلى مقرّها الأخير.

 ضاقت الدنيا بعين شهربان وأرادت أن تعود إلى اسطنبول وطلبت من الأسير أن يجد لها محاميا موثوقا، فقال لها "ابني محمود درس في الأزهر الحقوق وذهب في الحرب الأخيرة وعاد جريحا، وهو يحتاج إلى نقاهة شهر حتى يشفى. حين يلتقي محمود بشهربان وهي تزدهي بلألاء لا عهد له بمثله، يُصعق لجمالها الآسر فيحذره والده بأنها امرأة لا تُنال، وفيّة لذكرى زوجها وأولادها، وكان إحساس محمود أنه وقع في نفسها كما وقعت من نفسه، وينجز لها كل المعاملات الرسمية. ولم يبق عليه إلا بيع القصر. وكان أخوه محمد الذي درس الطب في مصر قد عُيّن واليا على المغرب فطلب من أخيه محمود أن يأتي إليه فيعينه معاونا له، ولكنه كان لا يقوى على احتمال بعدها دون أن تدري بلهيب قلبه وأخبرها بنيته السفر إلى مصر ليكون بعيدا عنها. حين اعترف لها بحبه قبل سفره أشعل عواطفها نحوه، فهي إذ رأته لأول مرة وجدت فيه ملامح فريدة. وقبلت الزواج منه وكان عرسها الذي جرى في قصر والدها مميزا بأطرف الأحداث. وأنجبت منه طفلة سمتها باكيزا فأصبحت الأخت الحبيبة لابنها علي.!

تزور هيلدا شهربان في عيد ميلاد علي وتهديه النموذج المصغر عن القطار وسكة الحديد الذي أهداه المموّل للمشروع ألفرد كارلا إلى والدها، وكانت ستهدي كتابها عن الطبخ الشرقي إلى والدتها فعلمت في السفارة عن وفاتها. ولأول مرة تسمع شهربان عن العلاقة الحميمة التي كانت بين والدتها وعلي باشا وأن لها أخا هو ثمرة هذا الحب، كونراد الذي جاء معها بعد وفاة أمه، وهو أكبر من عثمان بثلاثة أعوام، فعينه والدها معاونا له، وهو لا يعلم إلا أنه ابن ضابط هو ابن عم والدتها. وتسأل شهربان إن كان يناسبها أن تخبر كونراد عمن يكون والده، إذ كانت هذه رغبة والدتها التي كانت على فراش الموت وقد أصابتها نمونيا حادة لم تمهلها إلا ستة أيام. فتجيبها: كيف أستطيع رفض هذه النعمة التي تهبني إياها السماء؟

   تصل شهربان رسالة من جلنار تخبرها عن وفاة أمها، ورغبة أبنائها في الانضمام إليها، وتقول لها أنها بعد انتهاء  سنتهم الدراسية ستحضر مع خالد وتصطحبهم إلى لبنان. ويبدو عليها القلق فيسألها محمود: ألست مسرورة  يا شهربان لمجيء أولادك؟ مم تخشين؟ أن أضيق بهم؟ فتقول: بل أخشى عليك منهم ولا أعرف ردود أفعالهم حين يعلمون بزواجي منك!

    تلد شهربان ابنتها باكيزا في بيروت في نفس الوقت الذي تلد فيه فاطمة للأسير ابنته فريدة في صيدا. وتأتي هيلدا لزيارتها وتخبرها عن سفر كونراد إلى ألمانيا لدراسة الحقوق. وأنها نصحته أن يدرس العربية حتى تكون له فرصة العمل في لبنان. وتسألها شهربان كيف كانت ردود فعله حين أخبرته عن حقيقة مولده، فتقول لها: حين حضر معي حفلة عيد ميلاد علي كان ينظر طوال الوقت إلى صورة والده بإعجاب. سألني ليلتها: أهو الذي هجر أمه؟ فأخبرته عن حبهما المتبادل، ولكنها لم ترغب في هجر فنها من أجله، وأنه حين علم بموتها في السفارة لم تمهله الحياة أكثر من أسبوع. كان في عنفوان صحته ورجولته حتى انفجرت عنده الزائدة الدودية وأودت بحياته!

   يعود حسن من مصر وقد حصل على شهادة الطب فيفرح له والده فرحا شديدا ويسعى له بالتدريس في الجامعة الأميركية حيث كان يترجم المناهج الطبية التي حملها من مصر إلى اللغة العربية. وكانت شهربان تستعين فيه لرعاية باكيزا، ثم في الاستفادة من ترجماته في تدريس ابنيها عثمان ومصطفى بعد أن انضم أولادها إليها. وأخذ خالد الذي قرّ رأيه على البقاء في لبنان أن ينقل إلى الشابين المحاضرات المترجمة إلى التركية.

   حب الشيخ يوسف الأسير لفاطمة وزواجه منها: كان الشيخ مفتي صيدا التجأت إليه فاطمة ليخلّصها من زوجها الصياد الذي كان يضربها بالسياط حتى يدمي جسدها.. شاهدت حنيفة آثار السياط والدماء على ثيابها الداخلية. ورأى الأسير في وجهها الصغير وجه فريدة تتعذّب مع زوج سكّير فاجر يخبط باب بيته ليستردّ زوجته فأمر بسجنه، ثم ذهب إليه في المخفر وأجبره على توقيع وثيقة الطلاق ثم أطلق سراحه على شرط أن لا يمرّ بصيدا أبدا..

   بقيت فاطمة في منزل أسرته حين أخبرته أن والدها توفّي وأمها تعيش مع ثلاثة إخوة صغار عند خالها المعسر. ولم يكن في داره في صيدا إلا هو وزوجته حنيفة، وأكثر عمله في بيروت مدرّسا للعربية في الجامعة الأميركية التي عاد إليها فان ديك، وفي صحيفة لسان الحال التي كان يحررها. عاد محمود من الحرب التركية الروسية جريحا.. ووجد الأسير أن بقاءه مع فاطمة لايجوز شرعا، وطلب من زوجته أن تخيّره إما الزواج بفاطمة أو ترك البيت واللحاق به إلى بيروت فاختار الذهاب إلى بيروت. وفي بيروت شاء له الحظ أن يغرم بشهربان. وتنتهي قصته بالزواج منها.

   كان الشيخ ينزل إلى صيدا من حين لآخر فوجد أن فاطمة وهي ليست قريبته تسيء إلى سمعته، فاستخار ربّه في صلاة حارّة ليلهمه ما يفعل، وكان ما بينه وبينها من العمر يتجاوز الأربعين عاما.. استقرّ قراره على الزواج منها وبرّر تصرفه لزوجته فرضيت بقضاء الله فيها.

      تحدّث مع فاطمة فقبلت الزواج منه وأنجبت له طفلة تشبهها سُمّيت فريدة في نفس اليوم الذي وُلدت فيه باكيزا لشهربان ثم صبيا سمته عبد الرحمن.

      لم يشأ الله أن يُسعد الشيخ طويلا بها فلقد انتشر وباء الأنفلونزا الخبيثة في صيدا ودخل منزل الأسير وأصاب فاطمة التي لم يحتمل جسدها الضعيف تكرار ولادة إثر ولادة، فذهب الوباء بحياتها. جثى الأسير في غرفة حنيفة على سجّادة وفي حجره القرآن فلا يرى الكلمات وعيناه مغرورقتان بالدموع: يا رب! ليكن القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي، لا تكلني إلى نفسي، وخذ بيدي واجعلني من الصابرين.. لا مردّ لحكمك يا رب العالمين إن قدرت لفاطمة أن تغيب من حياتي، أن تموت في ربيع العمر، وأنا أعيش شتاء العمر في وحدة حتى انتهاء الأجل. (يسمع صراخ حنيفة في الغرفة فيكبّ على السجادة غارقا في البكاء) لقد عاش بعدها في كآبة وتأنيب ضمير يظهر بحديث مع خالد الذي أسلمه رئاسة تحرير صحيفة لسان الحال بعد أن عاد إلى لبنان لاضطراب الأحوال وإغلاق الجوائب وقد رفضت زوجته البقاء معه في لبنان بعد أن أوصلت أبناء شهربان إلى أمهم بعد أن توفيت والدتها، وعادت إلى قصر أبيها:

ـ لا أغفر لنفسي أنني تزوجتها.. ظننت أنني أنقذها من رجل لئيم لتنجب الولد من رجل كريم! ما أدراني بما كان يكنه قلبها؟ هل تعرف من كان قربي يوم جنازتها، ونحن نواريها القبر، ونهيل عليها التراب والأزهار؟ كان ذلك المهندم الذي أخذ يبكي بحرقة قربي هو زوجها، نظر إليّ نظرة غاضبة وقال: ما كانت لتموت لو بقيت قربي.. كانت تحبني وأحبّها ففرقت ما بيننا! أحسست حينها أن السماء غاضبة مني، كان بالإمكان أن يُصلح حاله معها حين تنجب له الأولاد، وتعيش في سعادة معه ولا تقضي عليها الأنفلونزا (ينخرط في بكاء حاد) لماذا لم تنج من الأنفلونزا كما نجت حنيفة وباقي الناس؟ إنها عقوبة الأقدار لي يا خالد!

  الأسير في عرس ابنة ابنه الأكبر مصطفى الذي يعاتبه: هكذا تسلّم رئاسة تحرير لسان الحال إلى خالد وتفضّله عليّ؟ يتجهّم وجهه بعد ابتسام: ليست لسان الحال ملكي بل ملك الناس الذين يقرؤونها في الوطن العربي كلّه.. إنها تحلّ محل الجوائب التي أُغلقت في تركيا.. وحين أختار لرئاسة تحريرها من يخلفني أختار معاوني، الرجل الكفء، المدرّب والقادر على حمل هذه الأمانة الشاقّة. أنت لست أهلا لهذا الحمل الثقيل الذي يهدّ الجبال، وأنا لست محمد باشا يهدم رابطة الإسلام ليورث ملكا لبنيه.. خالد تمرّس بالصحافة منذ نعومة أظفاره، وهو ضليع في تاريخ تركيا. يعرف ما يجري في قصور سلاطينها، وصراعات القوى فيها وهو إلى هذا رجل متفرّغ لا يحمل هموم أسرة كبيرة كما تحمل!

محمود: لماذا تعكّر مزاج والدنا يا مصطفى؟ (إلى والده) والد البنات في لبنان لا يحمل هموما.. زوّج ابنته حنيفة منذ عامين إلى تاجر ميسور الحال، وها هو يزوّج الصغرى اليوم إلى مهندس ناجح يُسكنها في فيلاّ كالأميرات دون أن يكلّفه شيئا.. لا يبغي إلا أن ينتسب إلى ناصع اسمك وغزير حكمتك وعلمك و... (الأسير يقاطعه خجلا)

الأسير: أصمت يا محمود، الناس يتوافدون فقم لاستقبالهم.. وأنت يا مصطفى لا تعكّر نفسك في عرس ابنتك واستقبل ضيوفك!

       يعود كونراد بعد غياب أربعة أعوام وقد نال إجازة الحقوق وعين معاونا للسفير الألماني في بيروت. ويأتي وهيلدا لزيارة شهربان. وكان قد تعلّم العربية كما نصحته هيلدا ليتاح له هذا المنصب. وأهداها ثوبا ورديا على الطراز الألماني لتظهر فيه في حفلات السفارة. ضحكت وقالت: "إنني لا أظهر هنا إلا محجبة، ولكنني سأرتديه في عرس بنت أخي محمود القريب. سألها عن أبنائها فأخبرته أن عثمان ومصطفى، بعد انتهاء العطلة الصيفية، اختارا العودة الى اسطنبول لإكمال دراستهما حين جاء عمهما كمال باشا وأقنعهما أن هذا أصلح لمستقبلهما. عثمان في كلية الطب سنة أولى، وسيتبعه مصطفى في العام المقبل. أما سليمان ففضل البقاء معي لأن هوايته العزف ويريد كمنجة ليغني لباكيزا حتى تنام! وهو يتعلم العربية على يدي خالد زوج جلنار، وعلي ليس له مشكلة في التأقلم بالبلد، ولقد التحق بالمدرسة الابتدائية مع بنت مصطفى الصغرى سلمى. لقد أغرى كذلك عمتهما جلنار على السفر معه لحضور عرس أختها أليسّار التي سيعقد عليها ابنه إبراهيم. فلما ذهبت حلت لديها الإقامة في قصر أبيها وطلبت من خالد الطلاق لأنه رفض العودة إلى اسطنبول وكان الشرط الأساسي لزواجها من خالد أن لا يحملها على التغريب عن بلدها! أسرّ خالد إلى زوجي أن عهد عبد الحميد اتخذ طابعا رجعيا متسلطا معاديا للحداثة والدستور. لم يعد الجو آمنا هناك، ولا يدري الإنسان إن خرج في الصباح من منزله، أن يعود إليه في المساء، وفيم يعتقل ويسجن دون محاكمة أو يعدم ويلقى في البوسفور. لقد أفرزت هزيمة تركيا أمام روسيا التي استولت على البلقان جوا خطرا في كل الولايات التركية التي تنشب فيها الثورات للخلاص من الأتراك. ولقد تفاقمت الأمور بالأزمة الاقتصادية التي نشأت والديون التي تراكمت عليها بسبب إنفاقها على مدّ سكك الحديد في جميع الولايات. فما كان سببا لازدهارها في حال نصرها، غدا وبالا عليها بعد هزيمتها. ازدادت الضرائب على الناس، وفوائد الديون على الدولة فسببت لها العجز، وازداد السخط والتمرّد، ونحن هنا في لبنان، لسنا في مأمن أن يشبّ اللهب عندنا، ونشعر بالخطر الرهيب الذي يمزق دار الإسلام بين الأتراك والعرب!".

   ارتدت شهربان في عرس بنت مصطفى الثوب الوردي الذي أهداها إياه كونراد، وألبست الوصيفة باكيزا التي غدت في الرابعة من عمرها ثوبا أزرق مكشكش من نسيج الأورغنزا اشترته لها لهذه المناسبة وارتدى سليمان الذي أصبح بطول جدّه زيا فرنجيا رسميا: طقما أسود، وقميصا أبيض وعقدة حمراء على شكل فراشة، وعلي أصرّ على ارتداء زيّ البحارة في هذه المناسبة. وكانت شهربان وأسرتها زينة الحفل.

    طلبت شهربان من سليمان أن يغلق جميع نوافذ القصر خوف النهب، وأعطته المفاتيح كي يسلمها إلى عمه محمود وتقول له: لا يمكنك الدخول إلى بهو النساء لمشاهدة العروس، لقد أصبحت رجلا ومكانك بين الرجال! تصرّف كما يتصرف خالد، وعدني أن ينتظرك عند الباب ليدلك على مكان عمك محمود. في الطريق يسأله عن جلنار فيما إذا كانت تزوّجت، فيجيبه بالنفي: ابعث إليها برسالة، وقل لها أن خالد أصبح رئيس تحرير لسان الحال، ومدرسا للعربية في كلية الثلاثة أقمار، فإن كانت ترحّب بالعودة إلي، أذهب إلى اسطنبول وأردها وأصطحبها إلى لبنان!

    حدث ما توقعته شهربان. ففي ليلة مطيرة ذات رعد وبرق، انطلقت عربة تقلّ هيلدا وكونراد الذي ينبئها أن القصر الذي تعيش فيه قد يتعرض للاقتحام، ومن الأفضل لسليمان وعلي أن يلتجئا إلى السفارة الألمانية لأن المذابح للأتراك في كل مكان! وأنه سيؤمن وصولهما إلى أهلهما في اسطنبول.

    لم تحتمل شهربان هذا الفراق الأبدي لبنيها الأربعة فأصيبت بحمى دماغية لم تمهلها أياما ثلاثة، وهي تهذي ومحمود قربها وقد فقد صوابه. كان قد نقلها إلى منزل والده حيث تنزل أمه حنيفة التي كانت ترعى طفلي فاطمة، فريدة التي كانت بعمر باكيزا وأخيها الأصغر عبد الرحمن. كان الأطفال الثلاثة يلعبون بمرح غير دارين بما يجري حولهم ولا بالمرارة التي سيحملها الزمن من فرقة لأوثق العلاقات بهم.  كانت باكيزا واقفة بالشباك الذي يطل على الشارع، ولا تدري أن تلك الجنازة المهيبة التي ضاق الشارع عليها وهي تحمل النعش المغطى بالقطيفة المقصبة والأزهارإلى الجامع ليصلى عليه يحمل أمها الحبيبة التي منذ أسبوع كانت تتألق بالفرح وتضج بالحياة، ولا تدري أنها لن تعود تراها أو ترى أخويها إلى الأبد!!!

© Copyright 2000-2010 Yusra Al Ayoubi